المنتوج التقليدي بمراكش: من الاس

Publié le par Achraf AHMINI

ما الذي يجعل الفرد منا، في لحظة إعجاب بمصنوع تقليدي، يُحجم عن استعماله للغرض الذي صنع من أجله، وهكذا عوض أن يفرش سجاداً على الأرض، يعلقه على الحائط، وعوض أن يُضيف طبقاً إلى باقي أثاث المطبخ يعلقه على حائط صالون أو بهو المنزل؟ ثم ما الذي يجعل المسافة الفاصلة بين المصنوع التقليدي والعمل الفني تضيق لتُغرق الفرد منا في حيرة تجعله ينقل منتوجا تقليدياً مصنوعا من قبل حرفيين يدويين للاستعمال اليومي، إلى مرتبة تحفة توضع إلى جانب أعمال فنية، تم الاشتغال عليها في الأصل لغايات فنية خالصة، ومن طرف فنانين، مهنة واختصاصاً؟ ثم هل علينا، حين ننقل العمل المصنوع تقليدياً إلى حقل الفن والإبداع الخالص، أن نسمي الصانع التقليدي فناناً، يجاور اسمه أسماء الرسامين والنحاتين المعروفين والمشهورين بأعمالهم وتخصصهم الفني؟
الواقع أنه صار من الصعب حصر لائحة المنتوجات المرتبطة بمجال الصناعة التقليدية بعيداً عن التوظيفات الفنية، خصوصاً حين ترتبط بمستوى معين من الإبداع، الذي قد يكون سكن مخيلة الصانع التقليدي، في ما يقدم في البداية على أساس أنه من صميم الصناعة التقليدية، أو أن يتم ذلك على أساس تأويل شخصي للواحد منا.
يرى بن امشيش محمد السعيد، وهو صانع تقليدي من مراكش، أن الأجانب كان لهم فضل كبير في إعادة الاعتبار للصناعة التقليدية، ما شجع الصانع التقليدي المغربي ودفعه إلى تطوير صنعته. ويؤكد بن امشيش أن هذا الواقع الجديد قد جعله، ككثير من الصناع التقليديين، يدمج الفن في الصناعة التقليدية، من جهة توظيف الخطين العربي والأمازيغي أو الرسم والنحت، مما يعني أن الصناعة التقليدية صارت تتطور عبر إضافات ولمسات فنية تُلبي توقعات المعجبين، فضلاً عن أنها صارت تخرج من أسواقها المعتادة لتقترب أكثر من عشاقها، سواء في مدن المغرب أو في الخارج، من خلال المعارض التي صارت تنظم بانتظام.
ويرى رشيد بنداود، وهو فنان يحترف التصوير الفوتوغرافي، أن القضية ترتبط أكثر بالتعريف الذي نعطيه للفن والحدود التي نسيجه بها، من جهة، والفكرة التي جالت في ذهن الصانع التقليدي لحظة عول أن يبدع عملاً ما، من جهة ثانية. كما رأى أنه يتوجب علينا أن نميز بين المصنوع التقليدي الذي قد نعجب به فنجعله ديكوراً يؤثث البيت، والعمل الفني الخالص الذي يكتسب تعريفه وقيمته من فهم خاص وخالص للفن. ويقول صلاح بنجكان، وهو فنان تشكيلي، إن الصانع التقليدي يعتمد الكثرة في النماذج وفي إنتاج متشابه ومتعدد، حتى أننا يمكن أن نطلق على ما يصنع تقليدياً مفهوم وتعريف الفنون القاصرة، التي لا أب ولا أم لها، حيث تكون وظيفتها يومية استهلاكية لا فنية خالصة، ما دام أنه لم يتم الانطلاق في الاشتغال عليها من غايات إبداعية وفنية. لكن هذه المصنوعات التقليدية، برأي صلاح بنجكان، حين تنتقل من الأرض، حيث الاستعمال الاستهلاكي العادي، إلى الجدران، حيث تعلق لتُمتع العين فناً واستمتاعاً، قد تجعلنا نتحدث عن نوع من التحول من الوظيفي اليومي إلى الفني والإبداعي.
ويتفق أحمد بنسماعيل، وهو فنان تشكيلي، مع وجهة نظر صلاح بنجكان، بالقول إن الإطار العام الذي تُعرض فيه بضاعة الصناعة التقليدية، من جهة، أو اللوحة، من جهة ثانية، هو ما يفرق بين العملين، حيث تكون اللوحة وحيدة وفريدة في شكلها وإطارها الفني العام، في حين أن المصنوعات التي تم الاشتغال عليها في إطار صناعي تقليدي تعتمد القوالب الجاهزة والكثرة من حيث نماذجها ونسخها. كما أنها تُصنع وفق قياسات الأرجل، بالنسبة للأحذية التقليدية، مثلاً، والسجاجيد، بالنسبة لحجم وقياسات البيوت والصالونات، في حين أن العمل الفني لا يكرر نماذجه، ولا يعتمد القوالب الجاهزة في تهييئه، حيث تكون اللوحة، مثلاً، وحيدة وفريدة تتناقلها أيادي عشاق وجامعي التحف الفنية على مدار السنين والقرون، وحتى إذا نُسخت أو زُورت فإن النسخة تبقى من دون قيمة فنية

عبد الكبير الميناوي

Publié dans Culture & Patrimoine

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article