تقنية تدبير الماء من خلال "الخطار

Publié le par Achraf AHMINI

الخطارة هي عبارة عن قنوات سردابية تحت أرضية يصل طول الواحدة منها إلى ثمانية كيلومترات أو أكثر، وذلك حسب منبع الخطارة وحسب قرب أو بعد الفرشة المائية. ويتراوح علو القناة ما بين مترين إلى ثلاثة أمتار.

 وتتقطع هذه القناة بعدة آبار مشكلة بذلك سلسلة من القناطر يصل طول الواحدة إلى حوالي أربعين مترا، وتشكل تلك الآبار منافذ للتهوية وأيضا عاملا مساعدا على عملية الكنس والإصلاح. وتبقى الخطارة أسلوبا تقليديا للسقي عرف منذ القدم تعمل على تصريف المياه تحت الأرض عبر القناة الرئيسية عن طريق الجاذبية من العالية إلى السافلة.

 والخطارة هي أيضا اسم يطلق على كل تقنية رافعة للماء بطريقة حركية كالناعورة أو العجلة. والخطارة في الاصطلاح من خطر يخطر أي تدبدب وتحرك، والخطارة في المغرب تقابل "الوكارة" في الجزائر و"قنا" في إيران و"خد" في العراق و"مامبو" في اليابان.
الخطارة تقنية لهندسة المياه ظلت حاضرة في ذهنية الجماعات البشرية بالمغرب الأقصى
إن إشكالية المياه ظلت حاضرة في ذهنية الجماعات البشرية ببلاد المغرب الأقصى وذلك بارتباط مع نمط العيش الذي كان معتمدا آنذاك في مختلف المجالات الجغرافية والذي كان يرتكز أساسا في استقراره على توفر الماء الذي هو منبع الحياة.

 هذا الهاجس كان حاضرا بقوة في العهد المرابطي الذي اعتمد هندسة المياه بالاستفادة من الأطر التي قدمت إلى المغرب وعلى رأسها "عبيد الله بن يونس" الذي أدخل نظاما جديدا لاستنباط المياه والذي يعرف بنظام الخطارات.

 هذا النظام الجديد أحدث ثورة تقنية في مجال استغلال المياه في ذلك الوقت حيث مكن من استمرار تدفق المياه بشكل مستمر ومنتظم.

بعض الدراسات تؤكد على أن هذه التقنية أنتجتها بلاد الغرب الإسلامي خاصة في المجال الجغرافي لواحات الصحراء في حين تذهب بعض الدراسات الأخرى إلى أن بلاد إسبانيا في العهد الإسلامي كانت أول مجال جغرافي يعرف تقنية الخطارات مقارنة مع بلاد الغرب الإسلامي ذلك.

وحسب نفس الدراسات فإن الحفريات التي أنجزت في المجال الجغرافي لمدينة "مجريط" أي مدريد أبانت أن هندسة المياه المعتمدة في ذلك الوقت هي هندسة عربية إسلامية اعتمدت تقنية الخطارات. وعلى العموم، فإن جل الدراسات تجمع على أن هذه التقنية هي تقنية قديمة جدا سبق اعتمادها من قبل الجماعات البشرية في بلاد الرافدين وبلاد فارس وبالتالي هي تقنية مشرقية انتقلت إلى المجال الجغرافي لبلاد الغرب الإسلامي وليست تقنية أندلسية انتقلت إلى المغرب وهو الاستنتاج الذي ذهب إليه "كاستون دورفان" في كتابه "مراكش الأصول" ("Marakech Des Origines").

 الدور الاجتماعي والاقتصادي للخطارة

الخطارة هي نتاج عبقري وظفت فيها تقنيات تظهر مكانة الفكر الواحي وتؤصل للابتكار وإيجاد الحلول الملائمة لمواجهة شح الموارد المائية وضعفها وهي أيضا عامل من عوامل التماسك الأسري داخل المجتمع، فالخطارة هي ملكية خاصة تباع وتشترى وتورث شرعا، ويشترك في ملكيتها حوالي 120 فلاح. وبالتالي فهي عامل أساسي في استقرار السكان وتلاحمهم. وتحمل الخطارة في غالب الأحيان إسم القبيلة أو الفخذة التي تملكها، فنجد مثلا : خطارة البوسحابية نسبة إلى قبيلة أولاد بوسحابة، وخطارة المباركية نسبة إلى قبيلة أولاد أمبارك. وقد اعتمدت القبيلة منذ القدم على أنظمة وقوانين عرفية لتدبير وتوزيع مياه الخطارة بشكل معقلن يهدف الاعتراف بحق الأخر في الماء مع احترام المدة الزمنية وكمية الاستغلال، حيث نجد كل خطارة تتوزع على عدة وحدات زمنية للاستغلال تسمى الوحدة الأساسية "النوبة" (12 ساعة)، وعدد "النوبات" يختلف من خطارة إلى أخرى. وتعتبر "النوبة" ملكا خاصا موثقا يباع ويشترى ويورث شرعا. وكل "نوبة" تنقسم إلى ثمانية أجزاء وكل جزء يسمى "الثمن" ثم جزئين يسميان "الربع" وأربعة أجزاء تسمى "نص نوبة"•

وتختلف المدة الزمنية لكل "نوبة" حسب الفصول، وحسب طول أو قصر النهار وطلوع الشمس وغروبها. ويتم التناوب بين ملاكي الخطارة على استغلال المياه حسب عدد "النوبات" من 10 أيام إلى 20 يوما، ويتم التناوب أيضا حسب الليل والنهار، وأثناء عملية السقي تؤخذ بعين الاعتبار حقوق العالية وحقوق السافلة. ولضبط عملية التوزيع هاته وضمان الحفاظ على النظام، تقوم القبيلة بتعيين شخص خارج ملاكي الخطارة يسمى "النزال" يتقاضى أجرته من المنتوج الفلاحي حسب حصة كل فلاح من الخطارة، وتكمن وظيفة "النزال" في ضبط توقيت الماء والحرص على انتقاله وتداوله بين الملاكين بشكل محكم ومضبوط. وقبل ظهور الساعة اليدوية كان "النزال" يستعمل مجموعة من التقنيات تمكنه من ضبط التوقيت، وتسهل عملية التوزيع، ومن بين هذه التقنيات القديمة هناك ما يسمى "تنسا" أو "الطويسة" كانت تستعمل لتوزيع الماء عن طريق وضع آنية حديدية يحدث بها ثقب صغير يسمح بتسرب الماء الذي وضع في آنية كبيرة، وتكون "تنسا" طافية فوق الماء، وعندما تغوص الآنية بعد امتلائها بالماء تحتسب فترة زمنية محددة، حيث يكون اليوم أو "النوبة" مقسمة إلى عدة "تنسات" وهناك أيضا تكون تقنيات أخرى كانت معتمدة لنفس الغاية، كتقنية " الظل" وتقنية "التبن" وتقنية الاعتماد على النجوم ومواقعها وأوقات طلوعها. كانت هذه التقنيات معتمدة إلى أن ظهرت الساعة اليدوية، التي عوضت كل تلك التقنيات القديمة، وبدأ الاعتماد على الساعة وفق ما يسمونه في الأوساط الفلاحية بالساعة "العربية" وهي تختلف في توقيتها عن الساعة الإدارية حيث يصل الفرق بينهما في بعض الأحيان إلى ثلاثين دقيقة حسب اختلاف الفصول وقد يتساويان في فصل الربيع، ويكون ملزما على كل ملاك جاء دوره لاستغلال الماء أن يضبط ساعته على الساعة الموجودة عند "النزال" الذي يكون رهن الإشارة في كل وقت سواء في النهار أو في الليل. أوردنا هذا النظام الخاص بتوزيع الماء في الخطارة نظرا لأهميته الاجتماعية، على اعتبار أن المبدأ العام الذي اعتمدته هذه المجموعات البشرية هو حق الأخر في الماء، ومن ثمة التفكير في آليات تدبير المياه المشتركة تجنبا للصراعات والنزعات التي قد تؤدي إلى تفكك وحدة القبيلة وبالتالي ضرب قيم التضامن والتآزر الذي كان يحدد العلاقة بين أفراد القبيلة الواحدة. فالخطارة كانت تشكل محور التماسك الاجتماعي داخل القبيلة وداخل أفراد الأسرة الواحدة، وهي أيضا عامل استقرار في المنطقة نظرا لأهميتها الاقتصادية. فالخطارة في واحة الجرف كانت إلى وقت قريب تعتبر المورد الأساسي لدخل الأسرة التي كانت تعتمد عليها كلية. وكان شيخ القبيلة، ولازال، هو الساهر على تسيير الخطارة وممثلها أمام السلطات ومختلف الإدارات العمومية كما يسهر على تطبيق البرنامج المتفق عليه من طرف ملاكي الخطارة كالإصلاح والزيادة في طولها، أو ما يعرف "بالجديد" بالإضافة إلى البحث عن الموراد المالية للقيام بذلك. وكان الشيخ يعتمد في عمله على مجموعة من المساعدين يسمون "لمزاريك" وكل "مزراك" هو ممثل للفخدة أو لمجموعة من الملاكين وهو صلة وصل بينهم وبين الشيخ، يسهر على تنفيذ التزامات الملاكين الذين يمثلهم اتجاه الخطارة وهو الناطق باسمهم في المداولات والنقاشات التي تهم الخطارة. وفي حالة النزاع أو وقوع اختلاف يتم اللجوء إلى ما يعرف "بالطرقة" وهي لجنة تحكيم معينة من طرف القبيلة أو ملاكي الخطارة لهم دراية بالعرف وبالنظم المتحكمة في ماء الخطارة ولهم دراية في حل النزاعات وهي بمثابة لجنة للحكماء تعتمد على الذاكرة وعلى القياس في معالجة أي مشكل طاريء. الخطارة الآن: واقع سلبي في ظل تحولات صعبة إذا قلنا أن الخطارات في واحة الجرف لوحدها كانت تسقي حوالي 4000 هكتار وحوالي 80.000 نخلة، فإن واقع الخطارة حاليا يعرف ترديا خطيرا بفعل تداخل مجموعة من العوامل الطبيعية والبشرية التي تهدد بزوال هذا التراث الحضاري والإنساني.

عن جريدة بيان اليوم

Publié dans Culture & Patrimoine

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article